
السعودية |
(1) تقنية التوأم الرقمي (Digital Twin)
من فهم الواقع إلى اختبار المستقبل
في السنوات الأخيرة لم تعد سلاسل الإمداد أنظمة مستقرة يمكن التنبؤ بها بسهولة.
فقد أدّت الاضطرابات المتكررة، وتقلبات الطلب، وتعقّد الشبكات العالمية إلى زيادة مستوى عدم اليقين، ودفعت الشركات إلى البحث عن أدوات لا تكتفي بوصف الواقع، بل تمكّن من استشراف ما قد يحدث لاحقًا.
من هنا برزت تقنية التوأم الرقمي (Digital Twin) أحد الحلول العملية التي غيّرت طريقة التخطيط واتخاذ القرار في سلاسل الإمداد الحديثة.
ما هي تقنية “التوأم الرقمي” في سلاسل الإمداد؟
التوأم الرقمي هو بيئة افتراضية تحاكي سلسلة الإمداد الواقعية بجميع مكوناتها، ويتم تغذيتها ببيانات حقيقية وفي الزمن الفعلي.
فكما يستخدم الطيارون محاكيات الطيران للتدريب على حالات الطوارئ، يستخدم مديرو الإمداد التوأم الرقمي لمحاكاة ما قد يحدث في الشبكة عند حدوث اضطرابات أو تغييرات.
أثر تقنية التوأم الرقمي على سلاسل الإمداد
• تعزيز المرونة والكفاءة: من خلال القدرة على محاكاة عدة سيناريوهات في وقت واحد مثل تأخر الموردين أو تعطّل الموانئ أو تغير الطلب، وبالتالي التخطيط والاستجابة السريعة بدلًا من رد الفعل المتأخر.
• تحسين جودة اتخاذ القرار: بدل الاعتماد على بيانات تاريخية مجزأة، يوفر التوأم الرقمي رؤى آنية تربط بين الحاضر والمستقبل، وتساعد القيادات على اتخاذ قرارات أكثر دقة وأقل مخاطرة.
• إدارة المخاطر والتخطيط الاستراتيجي: تمكّن هذه التقنية من تحديد نقاط الضعف في الشبكة، واختبار حلول متعددة، واختيار السيناريو الأنسب قبل أن تتحول المشكلة إلى تكلفة فعلية.
قصص نجاح: حين تتحول التقنية إلى قيمة حقيقية
(1) شركة Microsoft
دمج الكفاءة التشغيلية بالاستدامة
استخدمت Microsoft التوأم الرقمي في سلسلة إمدادها كجزء من جهودها لرفع كفاءة سلسلة الإمداد وتعزيز الاستدامة.
من خلال النموذج الرقمي، تم إدراج بيانات انبعاثات الكربون كمؤشر رئيسي في عملية اتخاذ القرار، وليس كعنصر ثانوي.
فعلى سبيل المثال، بدلاً من الاعتماد على منصات الشحن الخشبية التقليدية، اختارت الشركة مواد بديلة أدت إلى خفض التكاليف والانبعاثات معًا، مع الحفاظ على الربحية
كما ساعد التوأم الرقمي في تحسين التنبؤ بالطلب خلال المواسم المرتفعة مثل موسم الأعياد، خاصة لمنتجات مثل أجهزة Xbox والأجهزة اللوحية.
النتيجة: قرارات تشغيلية أكثر وعيًا، وتوازن عملي بين الأداء، التكلفة، والاستدامة.
(2) شركة Nestlé
سرعة القرار في قطاع شديد الحساسية
استفادت Nestlé في قطاع الأغذية الذي تتزايد فيه اضطرابات سلسلة الإمداد من التوأم الرقمي عبر عمل توأم رقمي يقيس انتاج المصانع ويربطه بسيناريوهات التوزيع والخدمات اللوجستية.
• النتيجة: تسريع عملية اتخاذ القرار بنسبة وصلت حتى 60٪ وزيادة مرونة الشركة وتقليل التكاليف.
(3) شركة أرامكو
اختبار القرارات قبل أن تصبح تكلفة
اعتمدت أرامكو على تقنية التوأم الرقمي لتمثيل الأصول المادية من مواد وأنظمة والعمليات الصناعية ضمن بيئة افتراضية تحاكي الواقع التشغيلي.
استخدمت أرامكو هذه التقنية في حقل الحصباة حيث تم إنشاء نموذج رقمي يعكس الواقع العملياتي للموقع مما ساعد في تحسين عمليات التصميم الهندسي، تخطيط التنفيذ، إدارة المواد، وسلسلة الإمداد قبل تنفيذ أي تغييرات في الواقع.
• النتيجة: أصبح القرار يُختبر رقميًا قبل أن يتحول إلى تكلفة واقعية، مما ساهم في تقليل الأخطاء التشغيلية المكلفة، ورفع كفاءة التخطيط والتنفيذ.
وفي الختام ، تُظهر تجارب Microsoft وNestlé وأرامكو أن تقنية التوأم الرقمي لم تعد مفهومًا نظريًا أو أداة تقنية معزولة، بل أصبحت منصة دعم قرار استراتيجية في سلاسل الإمداد الحديثة.
في عالم يتسم بعدم اليقين، فإن القدرة على محاكاة المستقبل قبل الوصول إليه لم تعد ترفًا، بل ميزة تنافسية حقيقية لكل منظمة تسعى إلى بناء سلسلة إمداد مرنة، ذكية، وقادرة على التكيف.
بقلم ✍️ الأستاذ / محمد المعيبد – استشاري وخبير في مجالات القيادة وسلاسل الإمداد والاستدامة
النافذة اللوجستية









